إن الأخلاق الإسلامية تنشأ مع العقيدة وتسري في العبادات وتتفاعل مع المعاملات ، فهي الثمار الجميلة والمفيدة والمطلوبة والمرغوب فيها من الإنسان على اختلاف مشاربه وملله ونحله ، وهي أساسا تبدأ بشد الأفراد في المجتمع برباط متين .
يقول مصطفى صادق الرافعي : " وما الإسلام في حقيقته إلا مجموعة أخلاق قوية ترمي إلى شد المجموع من كل جهة" . ويقول : إنها تضبط الضمير المسلم ضبطا ينعكس انضباطا في الحياة ، ويتجاوب مع ما يسن من تشريعات وقوانين عادلة ، ذلك الضبط الذي يعبر عنه القرآن بالتقوى . ويقول : إن من خصائص هذا الدين الأخلاقي أنه صُلب فيما لا بد منه للنفس الإنسانية إذا أرادت الكمال الإنساني ، ولكنه مرن فيما لا بد منه لأحوال أزمنة مختلفة مما لا يأتي على أصول الأخلاق الكريمة . ومن تلك التقوى والانضباط الروحي والنفسي والعقلي ينشأ الاعتصام بأمر الله جميعا كما نص القرآن الكريم محذرا في الوقت نفسه من التفرق والتنازع والتناحر يقول تعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
فإذا تحقق الاعتصام وعدم التفرق فإن وراء ذلك نعمة الله على هذه الأمة التي كانت متعادية متفرقة متقاتلة متباغضة فألف الله - سبحانه - بين قلوبهم .
ثم يستمر القرآن الكريم بتحذير هذه الأمة من أن تقع فيما وقعت فيه أمم سابقة ، فيجب عليها أن تعتبر حتى لا تكون كأولئك الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات (آل عمران 105) . ثم تأتي الآية 110 لتخبر المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس بالشروط والسمات المذكورة .
إن روح الإسلام هو الذي جعل من عناصر متفرقة وقبائل متناحرة في أم القرى وما حولها وفي المدينة وما حولها ومن عنصري المهاجرين والأنصار أول مجتمع إسلامي متماسك متراص ومتعاون كأحسن ما يكون التعاون ، حتى كان الرجل في المجتمع الجديد يعرض على أخيه أن ينكحه من يختار من أزواجه بعد أن يطلقها له كي يبني بذلك أسرة . تلك ملامح من وسطية الإسلام ، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع : أين الأمة التي تمثل وسطية الإسلام ؟ وبعبارة أخرى : أين أمة الوسط ؟ فهل هي التي كانت في العهد الأول على عهد رسول الله وعهد خلفائه الراشدين قبل أن تتحول إلى ملك عضوض ثم جددها الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ؟ إن تجريد الأمة من وسطيتها من بعد العصرين النبوي والراشدي ظلم كبير ، فقد امتد الإسلام امتداد ضياء الشمس في الأرض وما زال يمتد . وإن تراثه العظيم وحضارته العظيمة وثقافته السامية النبيلة ما يزال العالم يستفيد منها ويشيد بها ، وما يزال لهذا الدين نفوذه وقوته عبر العالم . ولقد أعلنت أمريكا أنه أسلم من جيشها في السعودية فقط أثناء إقامته هناك ثلاثة آلاف فرد(3000), وقد أعلن بعض من كان يمارس الدعوة في وسط الجيش الأمريكي أن العدد أضعاف مضاعفة ، وكذلك الأمر بالكويت وغيرها من بلاد الخليج والآن في العراق ، بل قد أعلنت الدوائر الأمريكية المسؤولة أن عدة حراس بقاعدة "غوانتانامو" أسلموا على يد الأسرى المسلمين هناك ، كما أعلنت داخلية فرنسا أنه أسلم في فرنسا خلال عشر سنوات حوالي خمسين ألف فرنسي . ولعل الرقم مضاعف ثلاث مرات على الأقل حسب ما نشاهد وما يقال لنا من مصادر موثوقة . إن ظاهرة دخول الناس في الإسلام مطردة ومتنامية, ونحن نعيش في وسط هذه الظاهرة بالنسبة لأسبانيا ، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن يزور بعض مراكز إخواننا الدعاة في إسبانيا وفي المغرب أفراد وأسر بكاملها دخلت في الإسلام أو تريد أن تشهد للدخول فيه ، وما يقع في العالم الغربي يقع في العالم الثالث وخاصة أفريقيا التي هي مستقبل الإسلام بحول الله وقوته .
وما ذلك إلا لوجود طائفة ذات حجم مهم يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن ، فالعالم الإسلامي مصنف - ما عدا ماليزيا - من العالم الثالث ، وهو عموما في مجمله فقير متخلف علميا وتقنياً ، ولكنه عالم غني بقيمه الخلقية السامية وبكثير من عاداته النبيلة مما يجعل ظاهرة التأثير الإسلامي قوية عبر العالم غير الإسلامي متحضرا أو متخلفا . يقول مالكولم إيكس في رسالة مشهورة بعثها أثناء حجه بمكة المكرمة إلى بعض أقربائه ومعارفه وإلى والاس محمد بن شيخه إليجه محمد قال فيها : "لم أعرف أبدا في حياتي ضيافة في مثل هذا الصدق والأخوة وفيما تبعثه من العواطف العميقة كلقاء الرجال والنساء من جميع الأجناس المجتمعين على هذه الأرض القديمة المقدسة ، موطن إبراهيم ومحمد الذين ورد ذكرهما في القرآن الكريم . . . إن أمريكا بحاجة إلى أن تفهم الإسلام لأنه هو الدين الوحيد الذي لا يعرف التمييز العنصري " .
هذا الحج أرغمني على مراجعة بعض الأفكار التي كنت أعدها أفكاري ، وعلى بعض النتائج التي كنت قد توصلت إليها . . .
لقد فكرت وأنا أراهم لو أن البيض الأمريكيين كانوا يقرون بوحدانية الله كانوا هم أيضا يقرون بوحدانية الإنسان ، وأنهم سوف يكفون عن مجابهة الآخرين والإضرار بهم لأسباب تتعلق باللون .
ونرى أن التمييز العنصري هو سرطان أمريكا الحقيقي ، وأن مصيرها سيكون مثل مصير ألمانيا النازية إلا إذا عكفت على الحل الإسلامي للمشكلة لإنقاذ أمريكا من كارثة توشك أن تحل بها . . . " . ووقع باسم الحاج مالك ثبار وتحت ذلك مالكولم إيكس . ومازلت أذكر كلمة قالها لي أحد الأمريكيين وكان فيما مضى قاضيا وهو أسود ، وقد أسلم تايسون على يده :
" إن نعمة الإسلام نعمة كبيرة وعظيمة لا يشعر بها المسلمون ، إنما نحن الذين نشعر بها عندما أسلمنا فشعرنا بالفرق الهائل بين النقم التي كنا نعيش بها وضنك الحياة والخواء الروحي وسوء الأخلاق التي كنا نعانيها وبين نعمة الإسلام التي ملأت قلوبنا اطمئنانا وسكينة ، وغيرت أخلاقنا ونظرتنا إلى العالم حتى أصبحنا نرثي لأعدائنا ونعطف عليهم ونسعى لضمهم إلى قافلة المنعم عليهم بالإيمان " .
لذلك لا غرابة أن يسلم كبار القوم وصغارهم وما بين الطرفين ، وقصص إسلام هؤلاء على رغم أن بعضها سجل إلا أن آلاف الأحوال لم تسجل ، وما أوتينا من علم ذلك إلا قليلا .
وقد أصلح الحاج مالك ثبار بعض آرائه وأفكاره مثل مستر نوكس الذي كان من الفهود السود وصار ينظر إلى الرجل الأبيض نظرة إسلامية بعيدة عن التطرف والتعصب والتمييز العنصري نتيجة للنظرة الأمريكية العنصرية . وقال لي أحد أقطاب جماعة عباد الرحمن ببيروت آخر الستينيات : إنهم احتفلوا بالحاج مالك ثبار ورسخوا في ذهنه فكرة أن التفاضل بين الناس ليس على أساس العرق أو اللون أو المال وإنما أكرمكم عند الله أتقاكم .
ومن المعلوم أن لدعاة المملكة العربية السعودية أثرا واضحا في إصلاح أفكار الرجل وتسديد موقفه من البيض ومن غير المسلمين . . . وقبله أسلم في المملكة على عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - ليوبولد فايس ( محمد أسد ) ولو لم يكن لهذا الرجل في الإسلام إلا " الإسلام على مفترق " و " الطريق إلى مكة" لكفاه . فقد أضاف كتبا أخرى ومنها : ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية الذي يعده الأستاذ الدكتور سيد دسوقي حسن أحسن ترجمة أنجليزية إلى الآن ، كما يعتمد عليه بعض قدماء الدكاترة المسلمين والإسبان مثل عبد السلام منصور إسكوديرو . وقد ظل محمد أسد يعيش في ظل كرم بعض رجالات السعودية الأكارم إلى وفاته 1992 / 2 / 19 بالأندلس بإسبانيا . إن سر انتشار الإسلام في الأوساط الغربية وكذا روسيا وسطيته وتوازنه وتجاوبه مع الفطرة والعقل السليم انطلاقا من توحيد الله إلى إماطة الأذى عن الطريق ، ولما تحمله تعاليمه من قوة روحية نافذة قد تخترق الحجب لتستقر في الروح والوجدان دون إرادة صاحبه كما يعبر عن ذلك محمد أسد الذي لم يشعر إلا والإسلام قد ملأ روحه وأضاء جميع وجدانه بنور الحق . . . والقصص الرائعة لبعض من أسلم من الغربيين جديرة بالتسجيل . لكن بقدر ما يعتز المسلم بما يحققه الإسلام من انتشار مبارك في العالم يشعر بالحزن والأسى للواجهات المشوهة التي تعرض على العالم غير المسلم بما يصدر عن " بعض " المسلمين من تصرفات مشينة وأفكار سيئة ومواقف منفرة . وقد كثر هذا النوع الذي يطلق عليه أستاذنا مالك المحامي المورط الذي يجعل من دفاعه الأرعن عن الإسلام البريء أكبر حجة على إدانته والحكم عليه . وليت الأمر يقف عند حد الكلام ، بل إنه يتحول إلى أفعال مفزعة واندفاعات إجرامية شنيعة . والمؤسف أكثر أن الدعوة الإسلامية تحولت عند هؤلاء إلى محاكم التفتيش تقوم على التكفير والتفسيق واستباحة دماء الأبرياء مما يناقض وسطية الإسلام وسماحته وجماله ورحمته ودعوته إلى الرفق وحسن الظن والتيسير والمحبة والاحترام واللطف وحسن الآداب مع الجميع : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ . وهذا النوع من المسلمين يخلون برسالتهم في تمتين أواصر المحبة بالداخل وفي تشتيت الجهود للبناء الاجتماعي وتضييع الفرص المتاحة لاستدراك ما فات الأمة من اللحاق بالأمم المتقدمة مثلما وقع للمسلمين عندما نبتت خلالهم ومن وسط التقوى والصلاح والزهد وحب آل البيت تيارات زعزعت الشبكة الاجتماعية للبناء الإسلامي كالخوارج ، فإن الجهود الجبارة والشجاعة النادرة والاستماتة العجيبة والاستهانة بالموت في سبيل المبادئ ومظاهر عمق التدين والتعلق بالآخرة وإيثارها على الحياة الدنيا بدل أن تكون هذه الخصال الحميدة قوة دفع للمسلمين ونشر الدعوة في الخارج كانت عوامل هدم للمسلمين بالداخل عاقت الفتوحات ونشرت روح التمرد وفتحت أبواب الفتن بين العوام ، فما تبنيه الحكمة في دهر تهدمه الحدة في وقت وجيز كما يقول محمد عبده فيما ضيعته حدة أستاذه جمال الدين الأفغاني رحمه الله .
يقول مصطفى صادق الرافعي : " وما الإسلام في حقيقته إلا مجموعة أخلاق قوية ترمي إلى شد المجموع من كل جهة" . ويقول : إنها تضبط الضمير المسلم ضبطا ينعكس انضباطا في الحياة ، ويتجاوب مع ما يسن من تشريعات وقوانين عادلة ، ذلك الضبط الذي يعبر عنه القرآن بالتقوى . ويقول : إن من خصائص هذا الدين الأخلاقي أنه صُلب فيما لا بد منه للنفس الإنسانية إذا أرادت الكمال الإنساني ، ولكنه مرن فيما لا بد منه لأحوال أزمنة مختلفة مما لا يأتي على أصول الأخلاق الكريمة . ومن تلك التقوى والانضباط الروحي والنفسي والعقلي ينشأ الاعتصام بأمر الله جميعا كما نص القرآن الكريم محذرا في الوقت نفسه من التفرق والتنازع والتناحر يقول تعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
فإذا تحقق الاعتصام وعدم التفرق فإن وراء ذلك نعمة الله على هذه الأمة التي كانت متعادية متفرقة متقاتلة متباغضة فألف الله - سبحانه - بين قلوبهم .
ثم يستمر القرآن الكريم بتحذير هذه الأمة من أن تقع فيما وقعت فيه أمم سابقة ، فيجب عليها أن تعتبر حتى لا تكون كأولئك الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات (آل عمران 105) . ثم تأتي الآية 110 لتخبر المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس بالشروط والسمات المذكورة .
إن روح الإسلام هو الذي جعل من عناصر متفرقة وقبائل متناحرة في أم القرى وما حولها وفي المدينة وما حولها ومن عنصري المهاجرين والأنصار أول مجتمع إسلامي متماسك متراص ومتعاون كأحسن ما يكون التعاون ، حتى كان الرجل في المجتمع الجديد يعرض على أخيه أن ينكحه من يختار من أزواجه بعد أن يطلقها له كي يبني بذلك أسرة . تلك ملامح من وسطية الإسلام ، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع : أين الأمة التي تمثل وسطية الإسلام ؟ وبعبارة أخرى : أين أمة الوسط ؟ فهل هي التي كانت في العهد الأول على عهد رسول الله وعهد خلفائه الراشدين قبل أن تتحول إلى ملك عضوض ثم جددها الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ؟ إن تجريد الأمة من وسطيتها من بعد العصرين النبوي والراشدي ظلم كبير ، فقد امتد الإسلام امتداد ضياء الشمس في الأرض وما زال يمتد . وإن تراثه العظيم وحضارته العظيمة وثقافته السامية النبيلة ما يزال العالم يستفيد منها ويشيد بها ، وما يزال لهذا الدين نفوذه وقوته عبر العالم . ولقد أعلنت أمريكا أنه أسلم من جيشها في السعودية فقط أثناء إقامته هناك ثلاثة آلاف فرد(3000), وقد أعلن بعض من كان يمارس الدعوة في وسط الجيش الأمريكي أن العدد أضعاف مضاعفة ، وكذلك الأمر بالكويت وغيرها من بلاد الخليج والآن في العراق ، بل قد أعلنت الدوائر الأمريكية المسؤولة أن عدة حراس بقاعدة "غوانتانامو" أسلموا على يد الأسرى المسلمين هناك ، كما أعلنت داخلية فرنسا أنه أسلم في فرنسا خلال عشر سنوات حوالي خمسين ألف فرنسي . ولعل الرقم مضاعف ثلاث مرات على الأقل حسب ما نشاهد وما يقال لنا من مصادر موثوقة . إن ظاهرة دخول الناس في الإسلام مطردة ومتنامية, ونحن نعيش في وسط هذه الظاهرة بالنسبة لأسبانيا ، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن يزور بعض مراكز إخواننا الدعاة في إسبانيا وفي المغرب أفراد وأسر بكاملها دخلت في الإسلام أو تريد أن تشهد للدخول فيه ، وما يقع في العالم الغربي يقع في العالم الثالث وخاصة أفريقيا التي هي مستقبل الإسلام بحول الله وقوته .
وما ذلك إلا لوجود طائفة ذات حجم مهم يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن ، فالعالم الإسلامي مصنف - ما عدا ماليزيا - من العالم الثالث ، وهو عموما في مجمله فقير متخلف علميا وتقنياً ، ولكنه عالم غني بقيمه الخلقية السامية وبكثير من عاداته النبيلة مما يجعل ظاهرة التأثير الإسلامي قوية عبر العالم غير الإسلامي متحضرا أو متخلفا . يقول مالكولم إيكس في رسالة مشهورة بعثها أثناء حجه بمكة المكرمة إلى بعض أقربائه ومعارفه وإلى والاس محمد بن شيخه إليجه محمد قال فيها : "لم أعرف أبدا في حياتي ضيافة في مثل هذا الصدق والأخوة وفيما تبعثه من العواطف العميقة كلقاء الرجال والنساء من جميع الأجناس المجتمعين على هذه الأرض القديمة المقدسة ، موطن إبراهيم ومحمد الذين ورد ذكرهما في القرآن الكريم . . . إن أمريكا بحاجة إلى أن تفهم الإسلام لأنه هو الدين الوحيد الذي لا يعرف التمييز العنصري " .
هذا الحج أرغمني على مراجعة بعض الأفكار التي كنت أعدها أفكاري ، وعلى بعض النتائج التي كنت قد توصلت إليها . . .
لقد فكرت وأنا أراهم لو أن البيض الأمريكيين كانوا يقرون بوحدانية الله كانوا هم أيضا يقرون بوحدانية الإنسان ، وأنهم سوف يكفون عن مجابهة الآخرين والإضرار بهم لأسباب تتعلق باللون .
ونرى أن التمييز العنصري هو سرطان أمريكا الحقيقي ، وأن مصيرها سيكون مثل مصير ألمانيا النازية إلا إذا عكفت على الحل الإسلامي للمشكلة لإنقاذ أمريكا من كارثة توشك أن تحل بها . . . " . ووقع باسم الحاج مالك ثبار وتحت ذلك مالكولم إيكس . ومازلت أذكر كلمة قالها لي أحد الأمريكيين وكان فيما مضى قاضيا وهو أسود ، وقد أسلم تايسون على يده :
" إن نعمة الإسلام نعمة كبيرة وعظيمة لا يشعر بها المسلمون ، إنما نحن الذين نشعر بها عندما أسلمنا فشعرنا بالفرق الهائل بين النقم التي كنا نعيش بها وضنك الحياة والخواء الروحي وسوء الأخلاق التي كنا نعانيها وبين نعمة الإسلام التي ملأت قلوبنا اطمئنانا وسكينة ، وغيرت أخلاقنا ونظرتنا إلى العالم حتى أصبحنا نرثي لأعدائنا ونعطف عليهم ونسعى لضمهم إلى قافلة المنعم عليهم بالإيمان " .
لذلك لا غرابة أن يسلم كبار القوم وصغارهم وما بين الطرفين ، وقصص إسلام هؤلاء على رغم أن بعضها سجل إلا أن آلاف الأحوال لم تسجل ، وما أوتينا من علم ذلك إلا قليلا .
وقد أصلح الحاج مالك ثبار بعض آرائه وأفكاره مثل مستر نوكس الذي كان من الفهود السود وصار ينظر إلى الرجل الأبيض نظرة إسلامية بعيدة عن التطرف والتعصب والتمييز العنصري نتيجة للنظرة الأمريكية العنصرية . وقال لي أحد أقطاب جماعة عباد الرحمن ببيروت آخر الستينيات : إنهم احتفلوا بالحاج مالك ثبار ورسخوا في ذهنه فكرة أن التفاضل بين الناس ليس على أساس العرق أو اللون أو المال وإنما أكرمكم عند الله أتقاكم .
ومن المعلوم أن لدعاة المملكة العربية السعودية أثرا واضحا في إصلاح أفكار الرجل وتسديد موقفه من البيض ومن غير المسلمين . . . وقبله أسلم في المملكة على عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - ليوبولد فايس ( محمد أسد ) ولو لم يكن لهذا الرجل في الإسلام إلا " الإسلام على مفترق " و " الطريق إلى مكة" لكفاه . فقد أضاف كتبا أخرى ومنها : ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية الذي يعده الأستاذ الدكتور سيد دسوقي حسن أحسن ترجمة أنجليزية إلى الآن ، كما يعتمد عليه بعض قدماء الدكاترة المسلمين والإسبان مثل عبد السلام منصور إسكوديرو . وقد ظل محمد أسد يعيش في ظل كرم بعض رجالات السعودية الأكارم إلى وفاته 1992 / 2 / 19 بالأندلس بإسبانيا . إن سر انتشار الإسلام في الأوساط الغربية وكذا روسيا وسطيته وتوازنه وتجاوبه مع الفطرة والعقل السليم انطلاقا من توحيد الله إلى إماطة الأذى عن الطريق ، ولما تحمله تعاليمه من قوة روحية نافذة قد تخترق الحجب لتستقر في الروح والوجدان دون إرادة صاحبه كما يعبر عن ذلك محمد أسد الذي لم يشعر إلا والإسلام قد ملأ روحه وأضاء جميع وجدانه بنور الحق . . . والقصص الرائعة لبعض من أسلم من الغربيين جديرة بالتسجيل . لكن بقدر ما يعتز المسلم بما يحققه الإسلام من انتشار مبارك في العالم يشعر بالحزن والأسى للواجهات المشوهة التي تعرض على العالم غير المسلم بما يصدر عن " بعض " المسلمين من تصرفات مشينة وأفكار سيئة ومواقف منفرة . وقد كثر هذا النوع الذي يطلق عليه أستاذنا مالك المحامي المورط الذي يجعل من دفاعه الأرعن عن الإسلام البريء أكبر حجة على إدانته والحكم عليه . وليت الأمر يقف عند حد الكلام ، بل إنه يتحول إلى أفعال مفزعة واندفاعات إجرامية شنيعة . والمؤسف أكثر أن الدعوة الإسلامية تحولت عند هؤلاء إلى محاكم التفتيش تقوم على التكفير والتفسيق واستباحة دماء الأبرياء مما يناقض وسطية الإسلام وسماحته وجماله ورحمته ودعوته إلى الرفق وحسن الظن والتيسير والمحبة والاحترام واللطف وحسن الآداب مع الجميع : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ . وهذا النوع من المسلمين يخلون برسالتهم في تمتين أواصر المحبة بالداخل وفي تشتيت الجهود للبناء الاجتماعي وتضييع الفرص المتاحة لاستدراك ما فات الأمة من اللحاق بالأمم المتقدمة مثلما وقع للمسلمين عندما نبتت خلالهم ومن وسط التقوى والصلاح والزهد وحب آل البيت تيارات زعزعت الشبكة الاجتماعية للبناء الإسلامي كالخوارج ، فإن الجهود الجبارة والشجاعة النادرة والاستماتة العجيبة والاستهانة بالموت في سبيل المبادئ ومظاهر عمق التدين والتعلق بالآخرة وإيثارها على الحياة الدنيا بدل أن تكون هذه الخصال الحميدة قوة دفع للمسلمين ونشر الدعوة في الخارج كانت عوامل هدم للمسلمين بالداخل عاقت الفتوحات ونشرت روح التمرد وفتحت أبواب الفتن بين العوام ، فما تبنيه الحكمة في دهر تهدمه الحدة في وقت وجيز كما يقول محمد عبده فيما ضيعته حدة أستاذه جمال الدين الأفغاني رحمه الله .